الشيخ الدكتور نصر فريد واصل من الشخصيات التي لها بصمات في دار الإفتاء، كان لا يخاف على مكان ولا مكانة، ولا يخشى في الله لومة لائم، ورغم منصبه الرفيع الذي كان في الدولة حين كان مفتي مصر إلا أنه كان يقول كلمة الحق، ولو خالف التوجه العام للدولة.
ويتحرر من كل قيود الوظيفة التي انتدب إليها، ولم يسع إليها بل كان زاهدا فيها لأن الإشراف على الدراسات العليا لديه أعظم درجة من الكرسي، أن يكون وسط تلاميذه بحب وإخلاص، ويستمع إليه جمهور المسلمين ثقة فيما يقول هذا يساوي الدنيا وما فيها وكان معه هذا اللقاء
ـ تثور كل عام مشكلة عدم توحيد بدايات الشهور العربية بين دول المسلمين مما ينشر البلبلة وسط الناس فمتى نتوحد؟ وهل القمر الصناعي الإسلامي يمكن أن يقوم بهذا الدور؟
* بالفعل القمر الصناعي الإسلامي هو الآلية العملية الوحيدة التي تحقق للمسلمين بدء الصوم في يوم واحد والإفطار في يوم واحد، وكذلك بداية العام الهجري، وعندما يتم تنفيذه يمكن أن تكون المراسلات والعقود بالشهور العربية لأنها ستكون ثابتة، وموحّدة بين جميع الدول الإسلامية، وستنتهي هذه الخلافات السنوية إلى الأبد.
ـ الإعلام – وخصوصا- التلفزيون له تجاوزات كثيرة خلال شهر رمضان فما الدور المطلوب منها خلال هذا الشهر الكريم في مساعدة المسلمين على أن يكون صيامهم صحيحا؟
* وسائل الإعلام لها أثر كبير في هداية الناس وإرشادهم، والعمل على أن يعبدوا ربهم عبادة حقيقية من خلال البرامج الهادفة؛ والبعد بقدر الإمكان عن البرامج التي تفسد هذه العبادة بما فيها من سفور ومظاهر تعطل المسلم عن تأدية العبادات في أوقاتها، خصوصا أوقات الصلوات.
والتلفزيون يذيع خلال شهر رمضان ما لا يتوافق مع قدسية هذا الشهر ومكانته فهو شهر ليلة القدر، وشهر الخير للبشرية جميعا، فيجب أن نكون على مستوى هذا الشهر، ولذلك فإنّ أمن الوطن يتحقق بأن تتوافق وسائل الإعلام فيه على تحقيق مصلحة الفرد والجماعة.
ـ هناك المجاهرون بالفطر وماذا يجب أن نفعله تجاه هؤلاء في نهار رمضان؟
* نحن في مجتمع فيه المريض والمسلم وغير المسلم، فلا نستطيع أن نحدد هذا المفطر هل إفطاره بسبب أم من دون سبب؟، وعلاجا لهذه الظاهرة أرى أن يتم تربية الوعي لدى الناس؛ لأنّ الإنسان يحركه ضميره، ونربي فيهم كذلك تقوى الله والخشية منه. أما محلات الطعام والشراب التي تفتح بلا ضرورة في نهار رمضان فيجب إغلاقها احتراما على الأقل لشعور الصائمين؟!
ـ نودّ التعرف من فضيلتكم على ما يميّز صيام المسلمين عن صيام الأمم السابقة؟
* فرض الله الصيام على كل أمة بما يحقق لها تقويم النفس فبعض الأمم حرم عليها طعام و شراب معين، حيث يكون الامتناع عن ذلك دليلا على طاعة الله، بينما جاء الإسلام بمنهج التوازن والوسطية، حيث يشمل جانبا ماديا يتمثل في: الامتناع عن الطعام والشراب والأشياء المباحة، وجانبا معنويا يتمثل في: الكف عن المحرمات التي نهى الله عنها.
وكل ذلك لمصلحة الإنسان لتحقيق التقوى وهو هدف عام في كل التشريعات السماوية، وقد أثبت التحقيق العلمي أن هذا الشهر كاف لتحقيق التوازن المادي والمعنوي في الجسم؛ لما حدث له من تجاوزات خلال العام حيث يخرج الجسم كل ما فيه من سموم، ويكون المسلم عبدًا قويا ينفذ ما أمره الله به، وينتهي عما نهاه عنه، ويكون خليفة الله على الأرض يتمتع بخيرات الله ويساعد الآخرين كذلك.
ـ كيف يستفيد المسلم من رمضان في الوصول إلى هذه المرتبة؟
* يستطيع المسلم تحقيق ذلك عن طريق اتباع أوامر الله حيث تبين أنّ الالتزام بالصوم من الناحية الشرعية الصحيحة، والبعد عن الإفراط في الطعام بعد الإفطار له أثر كبير في الاستفادة من الصيام، ويصبح رمضان في هذه الحالة بمثابة غسيل كامل للبدن ماديا وروحيا مثل الثوب الذي اتسخ وتم غسله بالمنظفات والماء وعاد نقيًا.
كما يجب أن يسعى الإنسان إلى تحقيق صفاء النفس بما يحقق التوازن مع البدن بحيث يسمو الإنسان على شهوات الحياة ولا يأخذ منها إلا القدر الضروري لأن يعيش قويا محافظا على بدنه وصحته بدون جشع.
ومعنى ذلك أن نأخذ من الطعام والشراب القدر المناسب، فكلما كانت المعدة خاوية كان ذلك أجدى، حيث يتنفس الشخص أفضل والبعض يأكل ليلا كميات كبيرة من الطعام لتعويض ما فقده في النهار وهذا غير مستحب بالطبع.
العلاقة بين الصوم والعبادات
ـ ما مدى تأثير الصوم على باقي العبادات؟
* يكوّن الصوم لدى الصائم ملكة التقوى والخشية من الله كما يؤكد في الإنسان معنى الإخلاص؛ فالصوم هو عبادة لا تظهر أى علامات لها فتكون بعيدة عن الرياء، ولا يعلم أحد هل الذي بجواره صائم أم لا؟.
ولذلك ورد في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به)، ولم نسمع أن شخصًا صام لشخص آخر تقربا إليه.
فمن يريد التقرب من أحد يكون عن طريق فعلا إيجابيا، وليس سلبيًا كالصيام، وهذا الإخلاص الذي يتحقق عن طريق الصيام يمتد تأثيره إلى باقي العبادات فيصبح الشخص مخلصًا في عباداته ومعاملاته كلها.
ـ ولكن هل يصحّ الصيام بدون صلاة؟
* هذا شئ غريب يفعله بعض المسلمين؛ رغم أن شهر رمضان هو شهر الصلاة والقرآن والالتزام، وله جائزة لا يحصل عليها إلا من يلتزم التزاما كاملا، ولكن أشير إلى أن عدم الصلاة لا يبطل الصيام، ولكن ينقص من أجره ولكن لو كان الإنسان مخلصا في صومه لانعكس ذلك على باقي جوارحه وسلوكياته.
ومن يصوم ولا يصلي يصوم صيام عادة، وليس عبادة من أجل ألا يقول الناس أن فلانا لا يصوم، ويتهم في نظر الناس، وتنقص قيمته وسط المجتمع.
رمضان شهر الجهاد
ـ بعض الصائمين يتخذون شهر رمضان ذريعة للكسل والخمول وتعطيل أعمال الناس فماذا تقول لهم؟
* هذا يتعارض مع منهج الإسلام في الصوم الذي جاء لتقوية النفس، وزيادة النشاط الذي يتضاعف في رمضان، فالصيام لا يدعونا للكسل إطلاقا بل على العكس؛ فمعظم المعارك الحربية التي خاضها المسلمون كانت في رمضان وأبلى المسلمون فيها بلاء حسنا.
فالقوة المعنوية تتضاعف لدى الصائم والمفروض أن يزيد إنتاجه أما تعطيل المصالح والنوم خلال وقت العمل (والتزويغ) فكل ذلك يتعارض مع حكمة الصوم وينقص من ثواب الصائم.
التدخين حرام:
ـ صدرت عن فضيلتكم فتوى منذ فترة تحرم التدخين وردّ البعض بأن التدخين مكروه، فما تعليقكم وما مدى إسهام الصيام في إقلاع المدخنين عن هذه العادة؟
* السجائر من المحرمات القاطعة ويجب أن تكون لنا فيها وقفة ولو سلمنا برأى من يقول: إنها مكروهة في فترات سابقة فلا يصح ذلك الآن بعد أن أثبت الطبّ أضرار التدخين حيث يموت سنويا 5 ملايين شخص بسبب السجائر.
وفي رمضان لا يمكن أن يتقرّب الإنسان إلى الله بطاعة وإخلاص، ثم يفطر على سيجارة، وكأنه في شوق إلى المحرم، وهذا الأمر يؤثر- بلا شك- في ثواب الصوم في حين أن رمضان فرصة ذهبية للإقلاع عن التدخين بحيث يمتنع الصائم طوال النهار عن التدخين لذا فإنه يستطيع بالعزيمة الامتناع عنه دوما.
وأكرر أن التدخين حرام كالخمر والمسكرات أما مدمن السجائر فاعتبره مرضا وفي حالة الرخصة تقدر بقدرها، فيتناول منها ما يعمل توازنا في جسده فإذا احتاج الجسم سيجارة واحدة في اليوم فما زاد عنها حرام حتى يستطيع أن يمتنع عنها نهائيا.
ولا يقع في الإثم المدخن فقط، بل من (يعزم) على آخر بالسيجارة، ومن يبيعها في المحلات حتى الابن الذي يشتريها لوالده فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وكذلك الشركة المنتجة للسجائر عليها أن تتحول بالتدريج إلى إنتاج أشياء نافعة ولا أطالب بالطبع بإغلاق المصانع، وطرد العمال.
ولكن يجب عدم التوسع في إنتاج السجائر، واستبدالها بمنتجات أخرى كما أدعو إلى وقف استيراد السجائر من الخارج فورا وخصوصا أن الدولة المنتجة لها تساند اسرائيل التي تقتل أولادنا في فلسطين ولبنان.
كما يأثم كل من يعلن عن السجائر في وسائل الإعلام، وكل من يدخل جيبه شيء من هذه الأموال فهي حرام.
ضيفنا في سطور
ـــــــــــــــــــــــــ
الشيخ نصر فريد محمد واصل، المفتي السابق للديار المصرية.
ولد في مارس سنة 1937م ويعمل أستاذًا للدراسات العليا ورئيسًا بقسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وانتدب لشغل منصب عميد كلية الشريعة والقانون بالدقهلية منذ عام 1995م، وحتى صدر القرار الجمهوري بتعيينه مفتيا للديار المصريّة.
مسيرة حياة:
حصل على درجة الدكتوراه في الفقه المقارن في عام 1972م، بدأ العمل في النيابة العامة عام 1966م، ثم مدرسًا فأستاذًا بقسم الفقه بجامعة الأزهر، ثم رئيسًا للقسم، قبل أن يُعار لجامعة صنعاء ثم لجامعتي المدينة المنورة ومحمد بن سعود بالرياض كأستاذ للفقه المقارن.
بعد ذلك عمل عميدًا لكلية الشريعة والقانون بأسيوط في الفترة من عام 1981م حتى عام 1983م، وصدر له أكثر من عشرين كتابًا وبحثًا علميًا ودراسات في الشريعة الإسلامية والفقه والتشريع.
عيّن مفتيا للديار المصرية في عام 11 نوفمبر 1996م, وظل بهذا المنصب حتى عام 2002
المصدر: قصة الإسلام